القائمة إغلاق

هل انتهت شركة إنتل؟ أو بالأحرى هل مازال يوجد مستقبل لمعمارية X86؟

حتى تتمكن من إخراج معالج قوي للوجود، يجب عليك الإستثمار في عدة عوامل، أهمها على الإطلاق أن تستخدم أنوية قوية أولا، وتقوم بتصنيعه على أحدث التقنيات المتاحة ثانيا، ويبدو أن إنتل تخسر كلاهما.
الوضع الحالي:
بالنظر إلى الوضع الحالي لشركة إنتل، يمكن الملاحظة بسهولة أن الشركة في وضع أكثر من سيء، وربما يكون الوضع الأسوء الذي وصلت إليه الشركة على الإطلاق! فشركات المعالجات مثل إنتل و AMD تجني أرباحها من عدة مصادر والمعالجات هي المصدر الرئيس لها. وتبيع تلك الشركات ثلاث أنواع أساسية من المعالجات:
المعالجات التي تستهدف المستهلك العادي (لابتوب و PC)
معالجات مخصصة للسيرفرات.
معالجات للحواسيب الفائقة Super Computers.
ولكن الوضع الحالي يشير إلى أن شركة إنتل تخسر سوقها تدريجيا في جميع هذه الأقسام.

أين تقف انتل؟

كما أشرنا، فإن المعالجات المستهدفة للمستهلك العادي تنقسم إلى نوعين (معالجات الحواسيب ومعالجات اللابتوب).
ومن الواضح أن انتل تخسر السوق في كلاهما تدريجيا لصالح AMD، فوفقا لإحصائيات Statista فإن الحصة السوقية من المعالجات في بداية عام 2017 كانت حوالي 81 بالمئة لإنتل مقابل حوالي 18 بالمئة فقط لـ AMD. بينما الوضع الحالي اختلف بالكلية، ففي نهاية 2020 نجد أن الحصة السوقية لإنتل تقلصت لحوالي 61 بالمئة مقابل حوالي 38 بالمئة لـ AMD.
وإذا استمر الوضع هكذا يمكننا أن نرى AMD تستحوذ على نصف الحصة السوقية لمعالجات الحواسيب أو أكثر. وبالطبع على حساب إنتل!

وسوق معالجات السيرفرات يشهد نفس التغير التدريجي لصالح AMD فبعد أن كانت تستحوذ على 1 بالمئة فقط من الحصة السوقية للسيرفرات في عام 2017 وصلت حصتها الآن إلى حوالي 10 بالمئة وتزداد بسرعة كبيرة آخذة في تقليص حصة إنتل شيئا فشيئا.
ولكن AMD ليست الخطر الوحيد على إنتل في هذا السوق، فدخول ARM بتصميم أنوية مخصصة للسرفرات وذات استخدام طاقة منخفض للغاية، يُنتظر أن نرى نتائجه قريبا، وقد بدأت بالفعل عدد من الشركات تصميم معالجات للسرفرات بأنوية ARM كما فعلت كوالكوم.

والوضع في أجهزة النوت بوك لا يختلف كثيرا، حيث أن AMD التي كان حصتها من السوق في عام 2017 كان حوالي 8 بالمئة فقط، مقابل انتل التي كانت تستحوذ على حوالي 91 بالمئة، استطاعت هذا العام أن توسع حصتها لتصل إلى حوالي 20 بالمئة، وبالطبع على حساب انتل التي تقلصت حصتها لتصل إلى حوالي 79 بالمئة.

وأما سوق الحواسيب الفائقة، فإنه وإن كان لا يدر الكثير من المال على الشركات بسبب صغر حجمه، فإنه ما زال من العوامل المؤثرة في تصورنا عن الإتجاه الذي تذهب به تقنيات الحاسوب الحديثة.
فبمعرفتك أن أقوى جهاز حاسوب على وجه الأرض حاليا المقدم من شركة Fujitsu يحمل معالج A64FX الذي يعمل بمعمارية ARM، وأن الحواسيب في المركز الثاني والثالث تعمل بمعالج IBM Pwer 9، والمركز الرابع محجوز لـ SunWay الصينية التي صممت معماريتها ومعالجها الخاص تحت اسم Sunway SW26010، أما المركز الخامس فنرى معالج AMD EPYC 7742 في كمبيوتر Selene الفائق المقدم من nVidia. ولا نرى ظهور لمعالجات Intel Xeon إلا في المركز السادس في جهاز Tianhe-2A الصيني.

ويمكنك أن ترى السبب واضحا، فجهاز Tianhe-2A الذي يستخدم معالج انتل يقدم أداء يصل إلى 100,678.7 تيرا من عمليات FLoat في الثانية الواحدة ويستخدم طاقة تصل إلى 18,482 كيلو وات، بينما مثلا جهاز فوجيتسو الذي يحمل المركز الأول يقدم أداء يصل إلى 537,212.0 (حوالي 5 أضعاف) تيرا من عمليات FLoat في الثانية الواحدة، ويستخدم طاقة تصل إلى 29,899 كيلوات (أي أقل من الضعف).

ورغم أن عمليات الـ Float ليست المعيار الوحيد لتقييم أداء الأجهزة، لكنك تفهم القصد، فالمعالجات الأخرى خلافا لإنتل تستخدم طاقة أعلى قليلا مع تقديم فارق كبير في الأداء، واستهلاك الطاقة هو من أولويات الشركات القائمة على أجهزة الحواسيب الفائقة، لهذا نرى الشركات تبتعد عن انتل أكثر فأكثر في هذا المجال.

كل هذه النتائج وضعت إنتل في موقع اقتصادي حرج، فرغم أنها مازالت تستحوذ على أغلب السوق وبفارق كبير عن المنافسين، لكن حصتها تتآكل شيئا فشيئا وبوتيرة سريعة، مما يجعل المستثمرين لا يثقون بإنتل، لهذا نرى زيادة الإستثمارات بنسبة كبيرة في الشركات المنافسة مثل AMD و nVidia، مما ينعكس على القيمة السوقية بقوة.
فرغم أن القيمة السوقية لإنتل قد تحسنت مؤخرا، لكنها ليست بهذا القدر، بحيث كانت 170 مليار دولار في بداية 2017 ووصلت إلى 212 مليار دولار حاليا، أي بزيادة حوالي 25 بالمائة في أربع سنوات. قد تعتقد أن هذا ليس سيئا، لكن انظر إلى ما حققته AMD في نفس المدة.
كانت القيمة السوقية لشركة AMD في بداية 2017 حوالي 13.7 مليار دولار فقط لتصل الآن إلى أكثر من 94 مليار دولار، أي بزيادة تصل إلى 580 بالمائة !!!!

تحديد المشكلة

يمكن حصر مشاكل إنتل الحالية في سببين اساسيين

الأول: أن انتل فقدت تفوقها في قوة النواة الواحدة

فالوضع الآن اختلف كثيرا عما كان عليه سابقا، فمنذ خمس أو ست سنوات فقط كانت إنتل هي أقوى شركة قادرة على تصميم الأنوية، بحيث كانت تصل قوة أنويتها في كثير من الأحيان إلى ضعف قوة أنوية X86 المنافسة من AMD. وقد تصل إلى ثلاث أضعاف قوة أنوية المعالجات المبنية على ARM.
مما كان يضطر الشركات الأخرى لاستخدام عدد أنوية كبير لتعويض فارق قوة النواة الواحدة أمام انتل، لكن رغم هذا كانت انتل تتفوق بسبب تفوقها في العمليات الكبيرة التي تحتاج نواة واحدة قوية وليس العديد من الأنوية الضعيفة.

لكن الصورة الآن تختلف بالكلية، فمنذ صعود Lisa Su إلى منصب المدير التنفيذي لشركة AMD في 2014 قامت بقلب الموازين رأسا على عقب، وبدأت تظهر أولى نتائج رئاستها للشركة في عام 2016  بإطلاق أولى المعالجات التي تحمل أنوية Zen. لتكون أولى خطوات AMD في العودة للمنافسة في ساحة قوة النواة الواحدة. وبالطبع لم تكن النتائج قوية منذ البداية، لكن بعد مرور خمسة أجيال من التحديثات على المعمارية الجديدة يمكننا أن نرى بوضوح أين وصلت Lisa Su بشركة AMD.
فمعالجات Ryzen من الجيل الخامس تستطيع بكل سهولة تخطى حاجز الـ 1550 نقطة على اختبار GeekBench رغم أنها تستخدم ترددات منخفضة لا تتخطى الـ 3.8 جيجاهرتز في كثير من الأحيان.

بينما على النقيض، فمعالجات انتل من الجيل العاشر مثل Core i9-10900K بالكاد يصل إلى 1400 نقطة عند استخدام نفس التردد. ورغم أنه يمكننا تفسير تفوق معالجات AMD (بحوالي 15 بالمئة) على أنه ناتج عن استخدام تقنية تصنيع أحدث (7 نانومتر بدلا من 10نانومتر في انتل)، إلا أن هذا يعني –في أفضل الأحوال- أن أنوية AMD قد أصبحت الآن بنفس قوة أنوية Intel.

أما إذا نظرنا للمعالجات المبنية على معمارية ARM –معالجات أبل بالتحديد- فإن الوضع أسوأ بكثير! فقد استطاعت ابل على مدار الثمان سنوات الأخيرة، منذ إطلاق أنويتها المعدلة سويفت في عام 2013 بمعالج Apple A6 الوصول إلى مرحلة أن تجعل الأنوية التي كانت مخصصة للهواتف الذكية في الأصل أن تصل لقوة أنوية الحواسيب، بل وحتى التغلب على كثير منها.
ورغم أنه حتى لو لم تقم أبل بهذا التطور السريع كانت ستصل ARM لنفس النتائج على أي حال، لكن أهداف ابل الإقتصادية بالإضافة إلى عبقرية التصاميم التي ينتجها قسم تصميم المعالجات في الشركة وصلت بأبل إلى قمة أداء النواة الواحدة في سنوات معدودة.
فحصلنا هذا العام على شريحة M1 من ابل التي تصل قوة النواة الواحدة فيها إلى أكثر من 1700 نقطة رغم أنها تأتي بتردد 3.2 جيجاهرتز فقط، وقد تستخدم أقل من نصف الطاقة التي تستخدمها أنوية انتل.

الثاني : أن أنتل فقدت تصدرها في تقنيات تصغير التصنيع

قديما، كان هناك العديد من الشركات اللاعبة في مجال تصنيع الشرائح (نتحدث هنا عن التصنيع و الإنتاج وليس مجرد التصميم)، مثل AMD و IBM و Texas Instrument و SMIC. لكن كلما تقدمنا في تقنية التصنيع تساقطت بعض الشركات من المنافسة على الشرائح الرائدة. وربما منذ أول إطلاق لتقنية تصنيع 28 نانومتر ولم يبق في المنافسة إلا Intel  و TSMC و Samsung.

واستمرت الثلاث شركات في المنافسة على من يقدم أحدث تقنية تصنيع أولا، وظل الحال هكذا حتى عام 2014 الذي تفوقت فيه إنتل على تقديم تقنية 14 نانومتر على كل من سامسونج و TSMC. لكن الأمور تدهورت بعدها بشكل كبير، فبعد ريادة انتل في تقديم تصنيع 14 نانومتر على المنافسين حصل العكس تماما مع الجيل التالي (10 نانومتر).
 فرغم انه يفترض أن تُقدم الشركات الجيل الجديد كل حوالي عام ونصف، تأخرت انتل عن هذا الموعد وليس بعام أو عامين، بل تطلب الأمر من انتل خمس أعوام كاملة حتى استطاعت تجهيز جيل 10 نانومتر. هذا جعل شركة انتل في المؤخرة تماما بعد أن كانت في أول السباق.
حيث وصلت كلا من سامسونج و TSMC إلى تقنية 7 نانو، ومن ثم إلى 5 نانو وكلاهما تجهزان لإطلاق تقنيات 3 نانو بعد حوالي عام، بينما انتل ما زالت عالقة مع تصاميم الـ 10 نانومتر، ولا تنتظر تصميمات 7 نانومتر من إنتل في القريب العاجل.

هذا التأخر الكبير كان الورقة الرابحة للشركات المنافسة لإنتل في سوق تصميم المعالجات مثل AMD و Xilinx. فباقي الشركات غير إنتل لا تقوم بتصنيع معالجاتها بنفسها، بل تقوم بتصميم المعالج ثم تتجه لشركات التصنيع. وهنا بالطبع قد أصبح أمام تلك الشركات فرصة ذهبيه للتغلب على إنتل، بحيث تستطيع إنتاج تصاميمها وفق أحدث تقنية تصنيع لدى TSMC و Samsung، بينما انتل تتنظر في الخلف.

الحلول: هل تستطيع انتل التغلب على مشكلاتها؟ أم أنها بداية النهاية؟!

إذن لنلخص الأمر، انتل أصبحت متأخرة للغاية في مجال تصنيع المعالجات. ولا تستطيع تطوير تصميم الأنوية الحالي إلى حد كبير بسبب عدم قدرتها على جعله أقل استهلاكا للطاقة مع تقنيات التصنيع الحالية. فما هو الطريق الذي يمكن أن تسلكه الشركة للخروج من هذا المأزق؟

أولا: صَنَِع لدى شركات أخرى

قد يعتقد البعض أن مشكلة التصنيع هي المشكلة الوحيدة التي تواجهها انتل، ورغم أن هذا خاطيء، لكنها بالفعل أكبر مشاكلها على المدى القريب.
فيمكننا أن نتخيل مثلا معالجات الجيل العاشر من انتل لو أنه تم بنائها على تقنية 5 نانومتر من TSMC، قد نحصل على أداء يتخطى الـ 50 بالمائة مما هي عليه الآن، هذا مع زيادة توفير الطاقة بنسبة قد تصل أيضا إلى أكثر من 40 بالمائة.
هذه أرقام فوق الممتازة! بالنظر إلى أننا لا نتحدث عن تغيير في تصميم المعالج ذاته، بل فقط تغيير المصنع.
وبالفعل فإنه يوجد العديد من التسريبات التي تتحدث عن سعي انتل لتصنيع معالجاتها الرائدة لدى شركات أخرى.

لكن هذا الحل مع كونه جيدا للغاية لكنه صعب المنال. فأي من شركتي سامسونج أو TSMC حتى تكون قادرة على تلبية احتياجات انتل الكبيرة ستضطر غالبا إلى إنشاء مصانع إنتاج جديدة. وهذه المصانع ذات تكلفة عالية للغاية (عشرات المليارات على الأغلب)، فما الذي يجعل شركة مثل TSMC تنفق كل هذه الأموال مع العلم أن انتل بمجرد أن تستطيع العودة إلى مسار التصنيع، ستعود لمصانعها مرة اخرى؟!
ولكني اعتقد أنه يمكن لهذه الشركات بالقبول للتصنيع لانتل فقط إذا كانت الكميات صغيرة في حالة استخدمت أنتل هذه الشركات في تصنيع معالجاتها الرائة فقط بحيث يمكن تصنيعها في المصانع القائمة بالفعل. أو أن تقوم إنتل بعقد طويل الأمد 5 أو 7 سنوات مثلا، مما يجعل الأمر مربحا لهذه الشركات للحد الذي تقوم ببناء مصانع جديدة

ثانيا: طَوَِر أنوية جديدة من الصفر

قد يكون التصنيع لدى شركات أخرى هو بداية الحل، وفي الجيل الأول من التصنيع الخارجي قد لا تحتاج أي تحديث في الأنوية على الإطلاق. بل نفس الأنوية والتصميمات الموجودة حاليا يمكن تصنيعها بتقنيات أفضل مع بعض الزيادة في الكاش وستحصل على قفزة مهولة في الأداء.
وربما في الجيل الثاني يمكن لبعض التعديلات بالإضافة إلى استخدام تقنية التصنيع الأحدث (3 نانومتر مثلا)، أن تقدم فارق جيدا في الأداء يجعلك تظل في ساحة المنافسة.

لكن هكذا تكون وصلت للحد الذي تستطيع تقديمة بالتصاميم الموجودة حاليا، ثم بعد هذا لن تحصل على زيادة في الأداء إلا الناتجة عن استخدام تقنيات أحدث في التصنيع.
أي أنه حتى مع اعتماد انتل تلك التغييرات فلن تستطيع الإستمرار طويلا، إذ أنه في مرحلة ما -سبع سنوات من الآن أو أقل- ستصل انتل إلى مرحلة غير قادرة فيها على تطوير معالجاتها.
وبالنظر إلى المشاكل الإقتصادية الكبيرة التي تمر بها الشركة، سيكون الوضع بعد سبع سنوات أسوأ بكثير وغالبا لن تكون قادرة حينها على تقديم حلول جذرية للمشكلة بسبب عدم وجود تمويل وربما تكون نهايتها قد حانت!

الحل الجذري: إذا كنت تموت على أي حال، فلم لا تضحي بكل شيء في محاولة واحدة تنجح أو تفشل؟!

حسنا، سأحلق بخيالي قليلا وأعتبر نفسي المدير التنفيذي لشركة انتل الآن. وأمامي هذا الوضع الراهن وأبحث له عن حل.
تبعا للمعطيات التي ناقشناها على طول المقال، فإن الشركة حاليا تتجه إلى نهايتها بشكل تدريجي، ورغم أن الحلول السابقة جيدة إلا أنها قصيرة الأجل، وتعتبر مجرد تأخير لعملية السقوط، لكنك في النهاية ستطدم بالأرض لا محالة!

فقد رأينا سابقا السقطات المدوية لشركات رفضت الحلول الجذرية. خذ نوكيا كمثال، بعد بداية ثورة الاندرويد و IOS كان أمام نوكيا خيار التحول الجذري للنظام الجديد أو تحسين النظام القائم بالفعل.
لكن كانت ترى الشركة الأمر من منظور “أنا لدي نظام ناجح بالفعل، فلم أخاطر بخسارة كل شيء في تجربة نظام جديد؟ حتى وأن كان أفضل”. وكانت هذه النظرة منطقية بالفعل في حينها. لكن لم يكن يدري القائمون على الشركة أنها كانت تتجه لخسارة كل شيء لكن مع تأخير لحظة النهاية ليس إلا.

حسنا، إذا كانت انتل تموت فما الحل الجذري؟
سأقوم في الأسطر القليلة القادمة بمناقشة تصوري للحل الذي تستطيع انتل تقديمه للخروج من الأزمة. لكنه أيضا ينطوي على مخاطرة كبيرة، فقد تكون النتيجة إعادة انتل للمنافسة بل وحتى سبق الجميع، وجعلها الشركة الأولى عالميا في تصميم المعالجات، وربما يتجه بالشركة إلى حافة الهاوية، لكن إذا كنت سأموت على أي حال، فسأضحي بكل شيء في محاولة واحدة قد تضمن لي النجاه.

لم لا تضحي انتل بمعمارية X86؟!
قد يبدو الأمر غريبا، لكنني أعتقد أن الحل الأمثل لانتل حاليا هو التضحية بمعماريتها التي دامت لعقود، فرغم أن معمارية X86 هي التي قد جعلت أنتل رائدة المعالجات في العالم، لكنها الآن تبدو مثل رجل مريض على فراش الموت. وربما الأمر ليس مقصورا على معمارية X86 فقط، بل كل معماريات CISC تندثر لصالح معماريات RISC.
وباختصار، فإن المعمارية التي يبنى عليها المعالج هي : مجموعة من التعليمات المحددة التي يتم وفقا لها معالجة العمليات داخل النواة. بحيث يتم ترجمة البرامج المكتوبة بلغات ++C وجافا مثلا إلى تعليمات صغيرة تكون النواة قادرة على معالجتها مثل Add و Sub.

وعلى مدار سنوات كان التوجه بين علماء الحاسب هو كيف نجعل هذه المعماريات أكثر تعقيدا وقادرة على الجمع بين عدة عمليات في نفس الوقت، وهذا للحصول على معالجات بقوة أكبر، وكانت الأنوية تصمم بما يتناسب مع تجميع العمليات المعقدة لتستطيع تنفيذ التعليمات التي تضاف حديثا.
ثم بدأ في الثمانينيات توجه جديدا في الظهور يرى أن الأفضل ليس جعل المعماريات أكثر تعقيدا، بل جعلها أبسط. مما يجعلنا قادرين على تصميم أنوية أصغر وأقل استهلاكا في الطاقة وتنتج حرارة أقل.
وأصبح يطلق على معماريات التوجه الأول CISC، أي المعماريات ذات العمليات المعقدة وأشهرها على الإطلاق هي معمارية X86 الخاصة بإنتل، وأطلق على التوجه الثاني RISC، أي المعماريات ذات العمليات المخفضة وأشهرها معمارية ARM.

وظلت المعماريات المعقدة وعلى رأسها X86 هي الأساس لمعالجات الحواسيب التي تحتاج لقوة معالجة كبيرة، أما معمارية ARM فسيطرت على سوق الهواتف تماما لاستخدامها طاقة أقل بكثير من X86. لكن الأمور تغيرت مؤخرا..
فمعالجات الهواتف تتطور بسرعة أكبر بكثير من معالجات الحاسب، مما قلص الفارق الذي كان بعشرات الأضعاف إلى نسب أقل بكثير. إلى الحد الذي يصل باستخدام أنوية معمارية ARM في معالجات الحاسوب كما فعلت ابل مع معالج M1. الذي يستخدم طاقة أقل بأضعاف من معالجات انتل مع الحصول على أداء يقارب أفضل معالجاتها.
فإذا نظرنا بشكل متعمق، يمكننا أن نرى بوضوح أن المستقبل لمعماريات RISC، وأن الطريق الوحيد لإنتل للنجاة هو أن لا تفوت قطار معماريات RISC كما فوتت نوكيا قطار الاندرويد!

وسيجيب البعض ببداهة، بأن هذا الأمر شبه مستحيل فتطوير معمارية جديد يتطلب أعواما وربما يتخطى العقد من الزمن، وتبعا لما ذكرناه سابقا فهذا سيعني أن أنتل ستكون في عداد الموتى قبل أن تصل إلى هذا الحد من الأساس.

لكن من قال أي شيء عن تطوير معمارية جديدة من الصفر؟!
لا تحتاج انتل لهذا، فالحل موجود لكنه يحتاج إلى من ينظر عن كثب. إنها معمارية RISC-V!
ولمن لا يعرف، فمعمارية RISC-V هي معمارية تعتمد على اسلوب العمليات المبسطة كما يتضح من الإسم، وهي مفتوحة المصدر -ليس بالضبط- فالمعمارية الجديدة تدعم التعديل عليها بإضافة تعليمات جديدة!
أي أن انتل تستطيع تصميم نسخة خاصة بها من معمارية RISC-V تضيف فيها بعض التعليمات الجديدة الهامة من التعليمات المعقدة، فبالفعل اضافت ARM العديد من التعليمات مؤخرا التي كانت سابقا حكرا على معماريات CISC لكن تقنيات التصنيع الحديث تساعد في زيادة بعض الإضافات دون زيادة استهلاك الطاقة بشكل كبير.

ثم ما أن تصمم إنتل نسختها الخاصة من المعمارية الجديدة، تستطيع البدء في تصميم أنوية جديدة تماما بالمعمارية الجديدة، وأعتقد أنه بخبرات إنتل الكبيرة في مجال تصميم المعالجات فستكون قادرة على تصميم أنوية جديدة بالإعتماد على المعمارية الجديدة -والتي سيكون العديد من أجزائها من تصميم أنتل ذاتها- بشكل سريع، ومع تصنيع معالجاتها على أحدث تقنيات تصنيع من سامسونج أو TSMC فيمكننا أن نرى معالجات أنتل قادرة على تقديم أداء قويا مع استهلاك منخفض للطاقة، وتكون على خط المنافسة الجديد وربما تتصدره بسبب قدرتها على إضافة تعليمات جديدة عند الحاجة خلافا للشركات التي تعتمد على ARM.

لكن تظل هذه فكرة نظرية بحتة، إذ أنه لا يمكن إنجاحها إلى إذا تم دعم المعمارية الجديدة بشكل كبير من قبل أنظمة التشغيل والتطبيقات. ولكن بالنظر إلى أن أهم نظام بالنسبة لمعالجات انتل هو ويندوز، فأعتقد أن الأمر ممكن بنسبة كبيرة، حيث أن مايكروسوفت يفترض أنها قد استشعرت الخطر القادم من ابل، إذ أن ابل الآن قادرة على خفض أسعار أجهزتها عن ذي قبل بفضل استخدام شرائحها الصغيرة ذات التكلفة القليلة.
فبالنظر إلى المستقبل، يمكننا أن نرى الطاولة تقلب تماما على مايكروسوفت ويصبح نظام ماك هو الأشهر والأكثر انتشارا بدلا من ويندوز، ونرى سيطرة ابل على سوق كبير مثل سوق الحواسيب المحمولة.

فأعتقد أن إنتل إذا قررت الذهاب في هذا الطريق، فإن مايكروسوفت سبذل ما بوسعها لجعل ويندوز يدعم معمارية RISC-V، والحفاط على حصتها السوقية الكبيرة في سوق الحواسيب الشخصية والمحمولة. ثم يمكن دعم التطبيقات عن طريق مترجم كما فعلت ابل بتحويل تطبيقات X86 إلى ARM عن طريق مترجم Rossetta2.
وبهذا تكون انتل قد لحقت بركب المعالجات الحديثة الموفرة للطاقة، وقد تتفوق عليها بفضل قدرتها على التخصيص أكثر من الشركات التي تعتمد على ARM.

ذات صلة

Copy link